من هو زهران ممداني أول مسلم يُصبح عمدة نيويورك؟ سيرة ومسيرة سياسية استثنائية
شهدت مدينة نيويورك في يونيو 2025 لحظة تاريخية عندما تقدم السياسي الشاب زهران ممداني، البالغ من العمر 33 عامًا، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لرئاسة البلدية، واضعًا اسمه في صدارة السباق إلى المنصب الأهم في المدينة. ومع ترقب إعلان النتائج الرسمية، بات اسمه يُتداول كأول مسلم مرشح بقوة ليُصبح عمدة مدينة نيويورك.
لكن من هو زهران ممداني؟ وما الذي جعله شخصية بارزة في المشهد السياسي الأمريكي خلال سنوات قليلة فقط؟ وما علاقته بعالم الفن والسينما؟ هذا ما نستعرضه بالتفصيل في هذا التقرير.
بداية غير تقليدية.. من موسيقى الراب إلى السياسة
زهران ممداني ليس سياسيًا تقليديًا، بل هو ابن لعائلة متعددة الثقافات، ومسيرته بدأت بعيدًا عن السياسة. وُلد في نيويورك عام 1992 لأب أوغندي من أصل هندي وأم هندية، ونشأ في بيئة غنية بالتنوع الثقافي. قبل دخوله إلى السياسة، كان معروفًا في دوائر الفن والموسيقى كمغني راب وناشط اجتماعي، حيث استخدم الموسيقى كأداة للتعبير عن العدالة الاجتماعية، وقضايا الفقر، والتمييز العنصري.
ويُعدّ من أبرز الأصوات اليسارية داخل الحزب الديمقراطي، وهو عضو في التيار الاشتراكي الديمقراطي الأمريكي الذي يضم أسماء بارزة مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، وبرني ساندرز. يُعرَف بمواقفه المناهضة للعنصرية، والداعمة للسكن العادل، وحقوق العمال، وحقوق الأقليات والمهاجرين.
الانتخابات التمهيدية.. لحظة المفاجأة
في 24 يونيو 2025، تقدم زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لرئاسة بلدية نيويورك، بعد أن حصل على دعم فئات واسعة من الشباب، والمهاجرين، وأبناء الأقليات، ومجموعات العدالة الاجتماعية.
ورغم أن النتائج الرسمية لن تُعلن حتى الأول من يوليو، إلا أن معظم المؤشرات ترجّح فوزه، لا سيما بعد أن أعلن منافسه الرئيسي، الحاكم السابق أندرو كومو، أنه اتصل بممداني لتهنئته والاعتراف بالهزيمة. هذا التقدّم الساحق جعله مرشحًا فعليًا لخوض الانتخابات النهائية في نوفمبر، وفي حال فوزه سيكون أول مسلم يتولى منصب عمدة نيويورك في تاريخ المدينة.
الجانب العائلي: ابن المخرجة العالمية ميرا ناير
زهران ليس غريبًا عن دائرة الأضواء، فهو نجل المخرجة الهندية الشهيرة ميرا ناير، صاحبة أفلام بارزة مثل “Monsoon Wedding”، و”The Namesake”، و”Queen of Katwe”. وقد نالت أعمالها شهرة عالمية، وشاركت في أهم المهرجانات السينمائية، كما حصلت على جائزة “الأسد الذهبي” في مهرجان البندقية.
أما والده، فهو محمود ممداني، أستاذ جامعي وناقد سياسي شهير، وهو أحد الأصوات البارزة في نقد السياسات الغربية تجاه العالم الثالث. التقى والديه في أوغندا خلال إعداد والدته لفيلم، ومن هناك بدأت قصة عائلة متعددة الخلفيات، شكلت وعي زهران الثقافي والسياسي.
وقد أبدت والدته دعمًا واضحًا لحملته الانتخابية، حيث نشرت عبر حسابها الرسمي: “عيد مبارك لكل محبي الإنسانية. يا أهل نيويورك، استمعوا لهذه الأم: إذا كنتم تريدون عمدة تقدميًا، صوّتوا لابننا زهران!”
زهران ممداني والتمثيل السياسي للأقليات
يُعتبر ترشح وفوز زهران ممداني رسالة رمزية قوية للمجتمعات المسلمة والعربية والهندية في الولايات المتحدة، التي لطالما عانت من التمثيل المحدود في مواقع القرار السياسي. ويؤكد أن التغيير ممكن، حتى في واحدة من أكثر المدن تعقيدًا وتنوعًا في العالم.
وقد صرّح ممداني في أحد خطاباته قائلًا: “أنا مسلم، وأنا أمريكي، وأنا فخور بكلا الهويتين. ولن أسمح لأحد أن يجعلني أختار بينهما.”
برنامج انتخابي جذري.. لصالح الفقراء والمستضعفين
يرتكز برنامج ممداني على قضايا العدالة الاجتماعية، بما في ذلك:
- إلغاء الإعفاءات الضريبية للشركات الكبرى.
- فرض ضرائب على الأثرياء لدعم مشاريع الإسكان العام.
- دعم التعليم المجاني في الجامعات الحكومية.
- مضاعفة ميزانيات الصحة النفسية ومراكز الشباب.
- مكافحة عنف الشرطة، وزيادة الشفافية في أقسام الشرطة.
ويُعدّ أحد أبرز المدافعين عن تحويل مدينة نيويورك إلى نموذج لـ”الديمقراطية التشاركية”، حيث يتم إشراك السكان فعليًا في اتخاذ القرارات المحلية.
علاقته مع الجالية العربية والمسلمة
يحظى زهران ممداني بشعبية كبيرة في أوساط الجالية العربية والمسلمة، خصوصًا في أحياء مثل بروكلين وكوينز. وقد خصص جزءًا من حملته للتواصل مع المراكز الإسلامية، والمساجد، والمنظمات المدنية، مؤكدًا على أهمية التمثيل السياسي للمسلمين في مواجهة خطاب الكراهية والتمييز.
زوجته راما دوجي.. وجه فني داعم
تزوج زهران ممداني من الفنانة السورية راما دوجي، المقيمة في نيويورك، والتي تُعرف بأعمالها في الرسوم المتحركة والفن التجريبي. وقد ظهرت إلى جانبه في عدة مناسبات انتخابية، رغم تحفظها على الأضواء، واعتبرت أن دعمها له يأتي من إيمانها بقيمه وليس من موقعه السياسي.
وقد أشار إليها زهران في عدة مناسبات قائلاً: “راما ليست فقط شريكة حياة، بل شريكة مشروع إنساني وفني.”
الختام
زهران ممداني ليس مجرد سياسي شاب في مدينة صاخبة مثل نيويورك، بل هو تمثيل حي لتغيّر الزمن، ولنضج جديد في السياسة الأمريكية يسمح لأبناء الأقليات بأن يصعدوا إلى قمة القرار دون أن يتخلوا عن هويتهم.
وإذا ما تأكد فوزه في نوفمبر 2025، فسيكون ليس فقط أول مسلم يُصبح عمدة نيويورك، بل صوتًا جديدًا لحركة سياسية تنشد العدالة الحقيقية، وتمثيل الجميع دون استثناء.