خطبة عن رأس السنة الهجرية مكتوبة 1444
خطبة عن رأس السنة الهجرية مكتوبة ملتقى الخطباء، وهي إحدى الأمور التي يهتم بها المسلمين ويبحثون عنها مع اقتراب انتهاء العام الهجري 1443 وبداية عام هجري جديد، وأيضًا يعتبر العديد من المسلمين أن هذه المناسبة من أعظم المناسبات التي تأتي على الأمة الإسلامية، وذلك لأنها تحمل ذكريات التاريخ الإسلامي وجميع أحداثه، من بداية هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بداية العمل بالتقويم الهجري الإسلامي وغيرها، كما تعتبر بداية رأس السنة الهجرية بداية موسم عبادة جديد للمسلمين، لذا سيقدم لكم موقع موجز الأنباء في هذا المقال خطبة الجمعة من العام الهجري الجديد المناسب لعام 1444 بعد جميع ما مر به المسلمين في عام 1443
خطبة عن راس السنة الهجرية مكتوبة 1444
سنقدم لكم خطبة عن راس السنة الهجرية مكتوبة بجميع عناصرها مع الدعاء في نهاية الخطبة الثانية، فيما يلي:
الخطبة الأولي:
الحمد لله آناء وأطراف النهار، ملء السماوات وملء الأرض، حيثما توجه إنسان وأينما استقر، الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوب إليه، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
سبحان من يفني الأعوام، وهو باق على الدوام، وتتناقص الأيام وهو منفرد بالجلال والكمال: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)[لقمان:29] ويُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ.
سبحانه لا ينفعه إيمان، ولا يضره كفر ولا فسوق ولا عصيان، وهو غني عن عالمي الغيب والعيان.
تنقضي الأعوام وتطوى معها سجلات العباد، وقلة من الناس من يحرص أن تكون صفحات أعماله كريمة، يباهي بها: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ)[آل عمران:30].
والأعوام -أيها الإخوة-: مراحل تنقضي من عمر كل منا، فكلما مر عام قرب كل إنسان من نهايته الحتمية.
والعاقل من يحسب حسابا لهذه النهاية، ويحرص دائما على مضاعفة أعماله الصالحة.
والغافل من يثقل أيامه ولياليه بالآثام والمخالفات، حتى يأتيه نذير الشيب والهرم، فيحاول أن يجبر التقصير، ويقرع سن الندم، ولكن قد تأتيه المنية، فلا ينفعه إلا عمله.
ولقد نبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، والعلماء العاملون إلى اغتنام فرصة العمر، فقال صلى الله عليه وسلم: “اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك”.
ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- أيضا: “اليوم والليلة مطيتان، فأحسنوا السير بهما إلى الآخرة”.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: “أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي، وقال: “كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل”.
وكان ابن عمر يقول: “إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
وعن سيدنا علي -رضي الله تعالى عنه-: أنه كان يقول: “اليوم ضيفك، والضيف مرتحل عنك، يحمدك أو يذمك”.
أيها الإخوة: يستقبل العالم الإسلامي بعد أيام معدودات، عاما هجريا جديدا، إسلاميا، وقد جعل الله -تبارك وتعالى- بدأه بشهر مبارك أيضا، ليستقبل المسلمون عامهم بالبركات، فأوله شهر محرم، وهو من الأشهر الحرم.
الأشهر الحرم: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب الفرد.
وجعل الله -تبارك وتعالى- هذه الأشهر من الأشهر المميزة، فحرم فيها القتال، وسن فيها الصيام، وميز الشهر الأول عن غيره، فجعل الصوم فيه أفضل من غيره إلا رمضان، فقال صلى الله عليه وسلم: “من صام يوما من الأشهر الحرم كان بثلاثين من غيره، ومن صام يوما من رمضان كان بثلاثين من الأشهر الحرم”.
ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يحرص على الصيام، والإكثار منه في شهر محرم.
وقد سن للمسلمين صيام اليوم العاشر والتاسع منه، فصام صلى الله عليه وسلم اليوم العاشر، وقال: “لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر”.
والعاشر، هو: ما يسمى بيوم عاشوراء.
وقد تعددت الروايات في سبب تخصيص هذا اليوم بالصوم؛ فمن الروايات: أنه اليوم الذي تاب فيه الله على سيدنا آدم -عليه السلام-.
ومن الروايات: أنه اليوم الذي نجى الله فيه نوح -عليه السلام-.
ومن الروايات: هو اليوم الذي نجى الله فيه سيدنا موسى وقومه من الغرق، وأغرق فرعون.
لذلك سن المخالفة لليهود في صيام التاسع مع العاشر، وسن ذلك الصوم شكرا لله -تبارك وتعالى-.
أيها الإخوة الأحبة: يقترن قدوم العام الهجري الذي نستقبله بذكرى أعظم حادث في تاريخ الإنسانية، هذه الذكرى ذكرى هجرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتأسيس الدولة الإسلامية.
وسيبقى حادث الهجرة على مدى الدهور والأزمان مثلا أعلى للإيمان بالفكرة الصالحة، والآلام في سبيل تحقيقها.
يبقى حادث الهجرة مثلا أعلى للاستجابة إلى دعوة الحق، وإلى التضحية بالنفس والأهل والمال والجاه والوطن، وكل غال ورخيص، في سبيل تلك الرسالة الخالدة، رسالة الإسلام.
أيها الإخوة المؤمنون: نعم سيبقى موقف الصحابة من مهاجرين وأنصار، وما لاقوا في سبيل هذه الرسالة من آلام، وما قدموا من تضحيات مثلا أعلى لكل مؤمن إلى يوم القيامة.
إنني أدعو نفسي وأدعو كل أخ مسلم: أن يذكر مواقف الصحابة في دعوتهم، ويضيق المجال عن ذكريات كثيرة، ولكن منها:
موقف المقداد بن الأسود -رضي الله تعالى عنه- حينما قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بدر: “لا نقول له كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذْهَبْ (أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)[المائدة:24].
ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون”.
أيها الإخوة المؤمنون: جدير بكل مسلم: أن يقف في بداية كل عام هجري وقفة الحساب والمراجعة والموازنة.
وكما أن كل تاجر يقف في بداية عامه وقفة حساب ومراجعة لأرباحه، أو لخسائره -لا قدر الله-، فجدير بكل منا أن يقف وقفة للحساب، فإن وجد خيرا حمد الله عليه: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ)[النحل:53].
وإن وجد تقصيرا تلافى ذلك التقصير، وعمل على أن يتوب مما صدر منه توبة نصوحا، ومنها: رد الحقوق لأصحابها، إن كان عليه حق للآخرين.
وإني أيضا أدعو الأمة الإسلامية: أن تقف موقف الموازنة والمراجعة، بين ماضينا وحاضرنا، ماضينا المليء بالعزة والريادة، والسيادة والقيادة، وبين حاضرنا المليء بالضعف والتخاذل والصراعات المستمرة.
وأعيذيهم أن يقفوا وقفة اليائسين، أو وقفة الغافلين.
ولقد مرت على المسلمين قرون وقرون تفرقوا فيها، فهؤلاء قوم سبأ لما انحرفوا عن هدي رب العالمين؛ فطلبوا العزة في غير ما أنزل الله، فسلط الله -تبارك وتعالى- عليهم أعداءهم الحاقدون الماكرون الذين لا يفترون ليلا ولا نهارا في تنفيذ مخططاتهم، في التفريق والتميز والتحريش.
ولهذا فجدير بالمسلمين أن يتخلوا عن أنانيتهم، وعن مصالحهم الشخصية، ليجعلوا من رسولهم، ومن صحابته، وممن ساروا على هديهم، مثلا أعلى يسيرون على منوالهم، وينسجون على غرارهم، إن كنا نريد النصر والعزة، والقوة والسعادة، في دنيانا وفي آخرتنا.
سيدي يا رسول الله من أي النواحي لمسنا هجرتك وجدنا فيها العزة والإيمان، والصبر، فصلوات الله وسلامه عليه!.
سيدي يا رسول الله انظر إلى أمتك التي أعززتها فأذلها الطمع، وقويتها فأضعفها الجشع!.
انظر إليها، فو الذي بعثك بالحق بشيرا ونذيرا، إن لم يمددنا رب العالمين بمدد من عنده، سنظل في الأذلين، وسنصبح أثرا بعد عين، وسنكون من الهالكين!.
وليس العيب عيب الإسلام، ولكن الإسلام سلاح لا يعمل إلا بيد البطل.
اللهم لا عز إلا عزك، ولا نصر إلا نصرك، فألهمنا العزة بالإسلام، وثبتنا على مبادئه وقواعده، وادفع عن المسلمين كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، وردهم إلى دينك ردا جميلا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم…
خطبة رأس السنة الهجرية ملتقى الخطباء 1444
يبحث الكثير من المسلمين عن خطبة رأس السنة الهجرية ملتقى الخطباء، وهي كما يلي:
الحمد لله الذي فاضل بين الشهور والأيام، وقدر تكرر الدهور والأعوام، ففضل شهر رمضان, وعشر ذي الحجة، وجعل لشهر عاشوراء، المسمى بالمحرم، فضلاً شاع بين الأنام. فسبحانه من إله عظيم، يفعل ما يشاء؛ لأسرار وحكم عظام. خلق آدم بيده, ونفخ فيه من روحه، وأسكنه جنته, وأسجد له ملائكته الكرام، ثم ابتلاه بالذنب؛ ليتصف بالذلة, والخضوع لربه والاستسلام، ثم وفقه للتوبة، وحباه بالهدى والإكرام، وخذل إبليس وطرده من رحمته، وصُحْبة الكرام.
ونجى نوحاً, ومن آمن معه، من الغرق العظيم العام، ورفع إدريس فوق السماء الرابعة, فنعم الرفعة والمقام، وأطفأ نار نمرود عن خليله إبراهيم، وأبدل حرها، بالبرد والسلام. ورد على يعقوب ولده يوسف عليهما السلام. وغفر لداود ذنبه، وجعله خليفة ينفذ الأحكام.
ونجى موسى وقومه, من فرعون ذي الطغيان, والإجرام. ورفع عيسى إليه, وكفاه شر اليهود الخبثاء اللئام، وفضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشرفه على جميع الأنام، وجعل كتابه مهيمنا على جميع الكتب, وحاكماً على جميع الأحكام.
وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, المتفرد بالبقاء والعز والدوام، شهادة مبرأة من الشرك والشكوك، و الخرافات والأوهام. وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أشرف مرسل وأفضل إمام.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، أعلام الهدى، ومصابيح الدجى, ونور الظلام.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنكم استقبلتم عاماً جديداً وعمراً مديداً، فليهنكم هذا العام. عسى الله أن يجعل العمل صالحاً حميداً، وفي مرضاة الله مسارعاً سعيداً، وعن معاصي الله, وما يسخطه بعيداً.
وقد جاء في الحديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, أنه قال: “خيركم من طال عمره, وحسن عمله، وشركم من طال عمره ,وساء عمله”.
وجاء الحث على صيام عاشوراء، كما جاء في الحديث الشريف: “أفضل الصيام، بعد شهر رمضان، شهر الله المحرم”.
وكان في أول الإسلام صومه واجباً، لكن لما فرض صوم شهر رمضان, صار مستحباً، وهو بداية السنة الهجرية، على صاحبها, أزكى الصلاة, وأفضل التحية.
لكن يوجد الآن من يحول التاريخ، بالسنة الميلادية، لعيسى ابن مريم عليه السلام؛ ليضيعوا على الناس تاريخ الهجرة الشرعية، وينسوهم الأوقات الفاضلة, كالصوم, وحج بيت الله الحرام, والأعمال المرضية.
فينبغي للمسلم أن ينتبه لنفسه، ويحذر من كيد أعدائه، لا يكون مغفلاً، خصوصاً الحذر من أعداء الإسلام، فالعاقل يتفطن في أمره، وينظر في حاله, ومبدئه ومآله، حتى يعترف على نفسه, بالتقصير والخطأ، ويتعرف لربه بالفضل والإكرام.
وإنّ الليالي والأيام خزائن، كما جاء في الأثر: ” إنّ هذه الأيام والليالي خزائن؛ فانظروا ماذا تضعون في خزائنكم”.
“فالمتقون يجدون في خزائنهم، العزة والكرامة، والمفرطون يجدون في خزائنهم، الحسرة والندامة”.
وإنّ الإنسان سوف يُسأل يوم القيامة, كما جاء في الحديث: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة, حتى يُسأل عن أربع, وفي لفظ عن خمس: عن شبابه فيم أبلاه؟ وعن عمره فيم أفناه؟ وعن ماله من أين اكتسبه, وفيم أنفقه؟ وعن علمه فيم عمل به”.
وفي الحديث الآخر: “بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً منسيا, أو غنىً مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر”.
وفي الحقيقة إنّ السنة بعددها اثنا عشر شهراً، فيها فرصة للعمل الصالح, لا يضيعها الإنسان على نفسه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة:36].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنّه هو الغفور الرحيم.
اقرأ أيضا:خطبة نهاية العام الهجري مكتوبة .. خطبة جمعة عن وداع العام الهجري 1443 كاملة
خطبة نهاية العام الهجري مكتوبة
إليكم خطبة عن راس السنة الهجرية وهي خطبة عن نهاية العام الهجري مكتوبة فيما يلي:
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، سبحانه وبحمده أيَّدَنا بمِنَحٍ لألاء، وأوردَنا موارِد الفضل والجُود والآلاء.
فالحمدُ لله حمدًا على الآلاءِ *** حمدًا كثيرًا جلَّ عن إحصاءِ
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعلَ لنا من تصرُّم الزمان عِبرًا عِظامًا، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ الناس قُدوةً وإمامًا، صلَّى الله وبارَك عليه، وعلى آله المُتألِّقين بدورًا وأعلامًا، وصحبِه البالغين من الهمَّة الشمَّاء مجدًا ترامَى، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا ما تعاقَبَ الملَوان وداما.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله -؛ فالتقوى خيرُ زادٍ في المعاش والمعاد، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].
وتقوَى الله للأوَّاهِ زادٌ *** فنِعمَ الذُّخرُ في الأخرى مآبًا
فلازِم دربَها تظفَر بخيرٍ *** وحقِّق حُكمَها تُحرِز ثوابًا
أيها المسلمون:
في هذا الأوان الذي جدَحَت فيه يدُ الإملاق كأسَ الفراق، وأوشكَ العامُ على التمام والإغلاق، والتحدياتُ المُحدِقةُ بالأمة عديدة، والأحوالُ أزماتُها شديدة، والأيامُ في لُبِّها بالأماني مُبديةٌ مُعيدة، لا بُدَّ لأهل الحِجَى من وقفات، للعِبرة ومُراجعة الذات، والتفكُّر فيما هو آتٍ.
وهذا ديدَنُ المُسلم الأريبِ اللوذَعيِّ، ومنهجُ اللَّقِن الأحوَذيِّ، حتى لا ينعكِس الأمل، أو يستنوِقَ الجمل، فيُبصِرُ كل إنسانٍ وَسمَ قِدحه، فتترقَّى همَّتُه، وتصفُو نفسُه، وتحسُنُ سيرتُه وسريرتُه.
طُوبَى لعبدٍ بحبل الله مُعتصمُ *** على صراطٍ سويٍّ ثابتٌ قدمُ
ما زالَ يستحقِرُ الدنيا بهمَّته *** حتى ترقَّت إلى الأخرى به هِمَمُ
معاشر المسلمين:
الوقفةُ الأولى: وقفةُ اعتبارٍ وعِظة، لما في مرور الأيام والليالي من عِبرةٍ وموعِظة، فكم من خُطواتٍ قُطِعت، وأوقاتٍ صُرِفت، والإحساسُ بمُضيِّها قليل، والتذكُّر والاعتبارُ بمُرورها ضئيل، مهما طالَت مُدَّتُها، وعظُمَت فترتُها، وربما دامَت بعد ذلك حسرتُها.
ولا يتبقَّى من الزمان إلا ذكرَى ما تبدَّى، وطيفُ ما تجلَّى، وها هو انقلبَ بما لنا وما علينا في مطاوِيه، وآخرُ استهلَّ شاهِدًا على مُضيِّ الدهر في تعادِيه. فاللهم إنا نسألُك أن تُبارِك للأمة فيما قدَّرتَ فيه.
عامٌ أهابَ به الزمانُ فأقبَلا *** يُزجِي المواكِبَ بالأهلَّة حُفَّلا
أسرَ الحوادِث فهي في أحنائِهِ *** تأتي وتذهبُ في الممالِك جُوَّلا
وليكُن منكم بحُسبانٍ – يا رعاكم الله -: أن الزمنَ أنفاسٌ لا تعُود، فمن غفلَ عنه تصرَّمَت أوقاتُه، وعظُم فواتُه، واشتدَّت حسراتُه، فإذا علِم حقيقةَ ما ضاع، طلبَ الرُّجعَى فحِيلَ بينَه وبين الاستِرجاع.
وما المرءُ إلا راكبٌ ظهرَ عُمره *** على سفرٍ يُفنِيه باليوم والشهرِ
يبيتُ ويُضحِي كل يومٍ وليلةٍ *** بعيدًا عن الدنيا قريبًا من القبرِ
ومن لم يتَّعِظ بزوال الأيام، ولم يعتبِر بتصرُّم الأعوام، فما تفكَّر في مصيره ولا أناب، ولا اتَّصَف بمكارِم أُولِي الألباب، يقولُ الرحيمُ التواب: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190].
فما أحوجَ أمَّتنا في هذه السانِحة البينيَّة أن تنعطِفَ حِيالَ أنوار البصيرة، فتستدرِك فرَطَاتها، وتنعتِقَ من ورطَاتها، وتُفعَمَ روحُها بمعاني التفاؤُل السنيَّة، والرجاءات الربانيَّة، والعزائِم العليَّة، وصوارِم الهِمَم الفتيَّة، كي تفِيءَ إلى مراسِي الاهتِداء والقِمَم، وبدائِع الخِلال والقِيَم، على ضوء المورِد المَعين، والنبع الإلهيِّ المُبين: هديِ الوحيين الشريفين، مُستمسِكةً بالتوحيد والسنَّة بمنهَج سلَف الأمة.
تحقيقًا لقولِ النبي – صلى الله عليه وسلم -: “تركتُ فيكم أمرَين لن تضِلُّوا ما تمسَّكتُم بهما: كتابَ الله وسُنَّتي” (أخرجه مالك في “الموطأ”).
أمة الإسلام:
والوقفةُ الثانية: وقفةٌ لإلهاب الهمَّة في نفوس الأمة، كي تعتلِيَ الذُّرَى والقمَّة، وإذكاء جُذَى الأمل والتفاؤُل في أطواء الشباب، كي يستنفِرَ قُدراته وملَكَاته، وكفاءاته وانتِماءاته. فكم اتَّخذَت الأمةُ في عامها المُتصرِّم من قرارٍ عظيم، وكم حقَّقَت من نصرٍ مُبين تسنَّمها “عاصفةُ الحزم” الميمونة، التي جسَّدَت الوحدةَ والتلاحُم بين أبناء الأمة رُعاةً ورعيَّة، وحقَّقت النُّصرةَ لجارٍ مضُوم، وشعبٍ مكلُوم، وصدَّت الظالِمين المُعتَدين.
وكم بذلَت بلادُ الحرمين الشريفين جرَّاء هذا القرار الشُّجاع والموقف النبيل من دماءٍ طاهرة، صعِدَت أرواحُها إلى بارِئها، لإعادة الأمل، فكان الأملُ بعد الحزم نورًا يُضيءُ البصائِرَ والأبصار، ويبعَثُ في النفوس البِشرَ والضياء، بعدما آتَت “عاصفةُ الحزم” ثِمارَها، وحقَّقَت أهدافَها، بفضل الله ومنَّته.
وإن على الإخوة في يمن الإيمان والعلم والحِكمة أن يتَّحِدوا للوقوف مع الولاية الشرعيَّة، وعدم الإصغاء لدُعاة الفتنة والضلالة.
وعزاؤُنا أن من قضَى من جُنودِنا البواسِل في الحدِّ الجنوبيِّ نحسبُهم عند الله من الشُّهداء، (بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [آل عمران: 169، 170].
معاشر المسلمين:
ومع تجديد الشُّكر للمُنعِم المُتفضِّل – سبحانه – على ما منَّ به على الحَجيج من إتمام مناسِكِهم، بكل تميُّز ونجاح، فلا يفُتُّ عزمَكم ما اعتوَرَه من فلَتَات الحوادِث بين مطاوِي الزمان.
وإن القلبَ ليعتصِرُه الحزنُ والأسَى على ما أصابَ بعضَ حُجَّاج بيت الله الحرام من حوادِث عرَضِيَّة لا تُنسينا الإيمان بقضاء الله وقدَره، في صفاء الأمر وكدَره. نسأل الله أن يتقبَّل موتاهم في الشهداء، وأن يشفِي مرضاهم.
ألا يا ربِّ أسعِدهم بعفوٍ *** ومغفرةٍ يَطيبُ بها الثوابُ
إذا كتبَ الإلهُ مضَى الكتابُ *** فلا بابٌ يُصدُّ ولا حجابُ
ولا حذرٌ من الإنسان يُجدِي *** ولا جبلٌ يحُولُ ولا هِضابُ
ومع ذلك كلِّه، فإنه لا يحِقُّ لأي شخصٍ أو كِيان – كائنًا من كان – أن يجعلَ من هذه الأحداث العارِضة مجالاً للمُزايَدات، أو إلقاء اللَّوم وبثِّ الشائِعات، ضدَّ الجُهود الجبَّارة التي تبذُلُها بلادُ الحرمين في خدمة ضُيوف الرحمن.
وإن لبلاد الحرمين الشريفين يدًا حازِمة لا تتهاوَنُ مع المُتلاعِبين بأمنها وأمانها، ولا تُهدهِدُ من يُحاولون التغريرَ بعقول شبابِها، أو يُؤلِّبون عليها أفئِدةَ العباد في أصقاع البلاد.
كما أنه ليس من العدل والإنصاف أن تُصادَر كل الجهود والإنجازات لحادثةٍ أو واقِعة، تُبذلُ أقصَى الطاقات والإمكانات لتفادِيها ومثيلاتها في الأماكن المُقدَّسة طوال العام.
وجهود المملكة – حرسَها الله – لن تنسِفَها أقاويلُ المُبطِلين، الذين لا يُحسِنون إلا التشكيكَ والإرجاف، وهذه الحملةُ الإعلاميَّةُ المُمنهَجة القائمةُ على ترويجِ الأكاذِيب، واختِلاقُ الوقائِع، هي مُحاولةٌ يائِسة من فئةٍ بائِسة، للنَّيل من مكانتها.
والخدماتُ الجُلَّى المُقدَّمة في الحجِّ هي أكبرُ ردٍّ عمليٍّ على هؤلاء المُشكِّكين، وجهودُ رجال الأمن وعطاؤُهم النادِر في خدمة الحَجيج خيرُ شاهِد.
فالعملُ الكبيرُ الذي يقوم به رِجالُ أمننا، والعامِلون في خدمة الحَجيج بمُختلف قِطاعاتهم يندُرُ أن يوجد مثلُه في أنحاء العالَم. فهمُ الأشدَّاءُ الأقوياءُ على الأعداء، الرُّحماءُ الأوِدَّاءُ على المُسلمين والضُّعفاء، ولكن هذه سُنَّةُ الله في الكَون، فكلُّ ذي نعمةٍ محسُود.
وستظلُّ بلادُ الحرمين – بإذن الله – واحةَ أمنٍ واستِقرار ضدَّ مُخطَّطات العبَث بأمنها، وستبقَى قبلةَ الإسلام ومهوَى الأفئِدة، ومن رامَها بسُوءٍ هلَكَ دون مرامِه. لا مجالَ ولا حظَّ للنَّيل منها، أو المُساوَمة والمُزايَدة على جهودها ومكانتها، فلها – بحمد الله – الريادةُ والقيادةُ والسيادةُ على الحرمين الشريفين، بل في إحلال الأمن والسِّلم الدوليَّين.
وهذه الأحداثُ تُوجِبُ علينا وقفةً جماعيةً جادَّة للتصدِّي الحازِم للمسالِك الضالَّة المشبُوهة، التي تنامَت في الآوِنة الأخيرة، وتمثَّلَت في تفجير المساجِد، واغتيال المُصلِّين، وذوي الأرحام والأقارِب، في مشاهِد مُخزِية من فِئامٍ شوَّهوا صورةَ الإسلام بنقائِه وصفائِه وإنسانيَّته، وانحرَفُوا بأفعالهم عن سماحته واعتِداله ووسطيَّته.
تبًّا لمن باعَ الديانةَ والهُدى *** ومضَى بغدرٍ يستبيحُ المسجِدَا
تركُوا العدوَّ وراءَهم وتهافَتُوا *** يستهدِفُون الراكِعين السُّجَدَا
والعجبُ أنهم يفعَلون ذلك باسم الدين، وينشُرونه على مرأًى ومسمَعٍ من العالَمين. أيُّ ضلالٍ ملأَ عقولَهم، فاستحلُّوا الدمَ الحرام، وانتهَكوا الحُرُمات، واعتَدَوا على بيوت الله في الأرض.
غيرَ أن ذلك لا يُسوِّغُ أبدًا إلصاق تُهمة الإرهاب بالإسلام، مما يتطلَّبُ تحصينَ الشباب الأبِيِّ من الفِكرِ التكفيريِّ، وتنظيم “داعِش” الإرهابيِّ، وحنوِه من المناهِج الضالَّة، والمسالِك المُنحرِفة. وما يُقابِلُها من موجات التشكيك والإلحاد، وهزِّ الثوابِت والقِيَم، والنَّيل من المُحكَمات والمُسلَّمات.
ماذا يظنُّ المُعتدِي أيظنُّها *** ستمُدُّ كفًّا بالزهورِ إذا رمَى
من أبرمَ الفتنَ العِظامَ مُكابِرًا *** فلسوفَ يلقَى الموتَ فيما أضرَمَا
أمة الإيمان:
غيرَ أن هذه الأحداث المُلِمَّة، والفواجِع المُؤلِمة لا ينبغي أن تُنسِيَنا قضيَّتَنا الكُبرى قضيةَ فلسطين والأقصَى، وما يلُفُّها في هذه الآوِنة بالذات من مآسٍ مُتعدياتٍ وانتِهاكاتٍ، واستِطالةٍ سافِرة في الهَدمِ والحِصار والاقتِحامات والمُستوطنَات والاعتِداءات.
لذا وبراءةً للذمَّة، وإعذارًا للأمة: ننُاشِد قادَة المُسلمين، وأصحابَ القرار في العالَم التصدِّي بكل قوةٍ وحزمٍ، لوقف التهديداتِ الصهيونيَّة، والتنكيلات اللاإنسانيَّة، ضدَّ إخواننا في فلسطين وقُدسِنا السَّليب.
يا فلسطينُ قِفِي صامِدةً *** في وجوهِ الغاصِبين الدُّخَّلا
هُم وربِّ الناسِ مهما بهرَجُوا *** أجبَنُ الناس وأخزَى عملاً
ولا يُمكن أن ننسَى إخواننا في بلاد الشام، الذين طالَت مُعاناتُهم، ودخلَت عامَها الخامس دون تحرُّكٍ فاعلٍ لإنقاذِهم من آلة القتل والتدمير والتهجير، في أكبر كارِثةٍ إنسانيَّة يشهَدُها التأريخُ المُعاصِر، من أُناسٍ لا يرقُبون في مُؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّة، وأولئك هم المُعتَدون.
مما يتطلَّبُ من إخواننا في بلاد الشام الأبيَّة توحيدَ الكلمة، ورصَّ الصفوف والاعتِصام، وعدمَ التفرُّق والاختِلاف والانقِسام.
أقبلَ الباغِي ليلقَى حتفَه *** فثِقِي بالله يا شامَ العُلا
واسألِي اللهَ تعالى نصرَه *** لا يرُدُّ الله عبدًا سأَلا
مُتفائِلين مع كل ذلك بالنصر المُؤزَّر القريب، (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 45، 46].
باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله مُقدِّر الأزمان والآجال، مُبدِع الكون على غير مِثال، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ذو الكمال الذي يعجزُ عن وصفِه بليغُ البيان والمقال، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من عبَدَ ربَّه في الغِنى والإقلال، صلَّى الله عليه صلاةً تَترَى في الغُدوِّ والآصال، وعلى آله وصحبِه خيرِ صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآل، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتَّقوا الله – عباد الله -؛ فإن تقواه – سبحانه – أوثقُ الوثائِق، وبها تُكشفُ وجوه الحقائِق.
أمة الإيمان:
وفي حوالِك الكُروب، ومعامِع الخُطوب، ومُدلهِمَّات الدُّروب، تشرئِبُّ طُلَى أهل الإيمان إلى إشراقات التفاؤُل والنصر وبشائر الانبِلاج، وتتطلَّع إلى أَرَج الانفِراج.
فمع أن أمَّتنا لا تزالُ رهينةَ المآسِي والنَّكَبات، والشَّتات والمُلِمَّات، فلا بُدَّ من الادِّراع بالتفاؤُل والاستِبشار والأمل، فالأملُ يُخفِّف عناءَ العمل، ويذهبُ باليأس والقُنوط والملَل، وبعد حُلكة الليل الشديد تُشرِقُ شمسُ يومٍ جديد.
إذا الأمسُ لم يعُد فإن لنا *** غودًا نُضيءُ به الدنيا ونملؤُها حمدا
وتُلبِسُنا في الليل آفاقُه سنًا *** وتنشُرُنا في الفجر أنسامُه ندَى
بالتفاؤُل والأمل تتدفَّق روحُ العزيمة، وتتألَّقُ نسَمَاتُ النبُوغ، وتتأنَّقُ بواعِثُ الثقة والتحدِّي.
وهذه القوةُ الأخَّاذة، والكُوَّة النورانيَّة هي من أزاهير الشريعة الربانيَّة، والسيرة المُحمديَّة لرسول الهُدى – صلى الله عليه وسلم -، وإن حياتَه الكريمة – بأبي هو وأمي – عليه الصلاة والسلام – لأُنموذجٌ عمليٌّ للتدرُّع بالتفاؤُل والأمل والاستِبشار، في أحلَك الأزمَات، والنوازِل والمُلِمَّات.
وهجرتُه – صلى الله عليه وسلم – حدثٌ لو تعلَمون عظيم، فيه من الدروس والفوائِد، والعِبَر والفرائِد ما لا تحوِيه أجلاد، ولا يُوفِّيه جلَدٌ ولا اجتِهاد. فرغم خروجِه – عليه الصلاة والسلام – من أحبّذ البلاد إليه، إلا أنه كان مُتفائِلاً مُستبشِرًا. ولقد كان حدَثُ الهجرة أمرًا فارِقًا في تأريخ البشرية جمعاء.
ألا فاتقوا الله – عباد الله -، وتفاءَلوا بالخير، واستفتِحوا عامَكم بتوبةٍ نَصُوح من الزلاَّت والسيئات، وداوِموا على الأعمال الصالِحات، وأكثِروا من القُرُبات والطاعات، وسجِّلوا في صحائِف عامِكم الجديد ما يسُرُّكم في دُنياكم وأُخراكم.
ثم صلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على البشير النذير، والسراجُ المُنير، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبير، فقال – سبحانه -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
منَّا الصلاةُ على النبي وآلِهِ *** والصحبِ من كانوا المصابيحَ الغُرَر
صلُّوا عليه فمن يُصلِّي مرةً *** يلقَى بها عشرًا كما صحَّ الخبَر
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم أدِم الأمنَ والاستِقرار في ديارِنا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين.
اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيته للبرِّ والتقوَى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحة التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيه وأعوانَه إلى ما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين، وإلى ما فيه الخيرُ للبلاد والعباد.
اللهم وفِّق قادةَ المسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سُنَّة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبَا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهر منها وما بطَن، عن بلدِنا هذا وعن سائر بلادِ المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم انصُر إخواننا المُجاهِدين في سبيلِك والمُستضعَفين في دينهم في كل مكان، اللهم كُن لهم ولا تكُن عليهم، اللهم عجِّل بنصرهم يا قويُّ يا عزيز، اللهم إنا نسألُك أن تلطُف بهم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام.
اللهم كُن لإخواننا في فلسطين، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصَى من براثّن المُعتَدين يا رب العالمين، اللهم اجعَله شامِخًا عزيزًا إلى يوم الدين.
اللهم كُن لإخواننا في بلاد الشام، اللهم فرِّج عنهم يا حي يا قيوم، عاجلاً غير آجِل يا ذا الجلال والإكرام، وفي العراق، وأصلِح أحوال إخواننا في اليمن، واجمَعهم على كتابِك وسُنَّة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم – يا سميع الدعاء.
اللهم كُن لإخواننا في بُورما، وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّقنا لما تحبُ وترضى، اللهم وفِّقنا للتزوُّد من الصالِحات يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجعَل مُرورَ الأعوام حُجَّةً لنا لا علينا، وزادًا لنا للتزوُّد من الأعمال الصالِحة قبل الممات يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق رِجالَ أمننا، اللهم وفِّق رِجالَ أمننا، اللهم اقبَل شُهداءَهم، وعافِ جرحاهم، وشافِ مرضاهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كُن لجنودنا المُرابِطين على ثُغورنا وحُدودنا، اللهم اربِط على قلوبِهم، وثبِّت أقدامَهم، اللهم سدِّد رأيَهم ورميَهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذابَ النار يا عزيزُ يا غفار.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالدِينا ولجميع المُسلمين والمُسلِمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
سبحان ربِّك ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.