خطبة الجمعة عن زكاة الفطر وآداب العيد

سنتناول في هذا المقال خطبة الجمعة عن زكاة الفطر، فمع اقتراب شهر رمضان من نهايته واستقبال المسلمين عيد الفطر المبارك، تتجدد القيم الإسلامية التي تربط بين العباد وتعزز التكافل والتراحم في المجتمع. ويأتي خطبة الجمعة عن زكاة الفطر وآداب العيد كموضوع بالغ الأهمية، حيث تجمع بين واجب إخراج زكاة الفطر وفقًا لما فرضه الشرع الحكيم، وبين آداب العيد وسننه التي ترفع من معاني الفرحة والبهجة وتعمّق روابط الأخوة بين المسلمين.

إن زكاة الفطر ليست مجرد صدقة يؤديها المسلم قبل صلاة العيد، وإنما هي تطهير للصائم من اللغو والرفث، وإغناء للفقراء عن الحاجة في هذا اليوم المبارك، حتى يكون العيد يوم فرح وسعادة للجميع، دون استثناء. وقد حثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على إخراجها في وقتها المحدد، بحيث تصل إلى مستحقيها قبل أن ينشغل الناس باحتفالات العيد.

خطبة الجمعة عن زكاة الفطر وآداب العيد

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله -عز وجل-، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]. فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا فيما بقي من شهركم، واعلموا أنكم مقبلون على يوم عيد، جعله الله فرحة للمسلمين بعد أداء عبادة الصيام، وجعل فيه شعيرة عظيمة، وهي زكاة الفطر، طُهرة للصائم ومواساة للفقراء والمحتاجين.

زكاة الفطر: فضلها وأحكامها

عباد الله، لقد شرع الله -سبحانه وتعالى- زكاة الفطر وجعلها ختامًا لشهر رمضان، وهي فرض على كل مسلم قادر، كبيرًا كان أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى. وقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: “فرض رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطرِ صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبيرِ من المسلمين، وأمرَ بها أن تُؤدَّى قبلَ خروجِ الناسِ إلى الصلاةِ” [رواه البخاري ومسلم].

مقدار زكاة الفطر

زكاة الفطر تخرج بمقدار صاع من الطعام مما يقتاته أهل البلد، ويعادل الصاع حوالي 2.5 إلى 3 كيلوغرامات من القمح أو الأرز أو التمر أو الشعير أو الذرة أو غيرها من أقوات الناس. ويمكن دفعها نقدًا عند الحاجة، وفقًا لاجتهاد العلماء الذين أجازوا إخراجها مالًا بقيمتها، تسهيلًا على الفقراء وتمكينًا لهم من تلبية احتياجاتهم المختلفة.

وقت إخراج زكاة الفطر

عباد الله، تؤدى زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ويجوز تقديمها بيوم أو يومين كما كان يفعل الصحابة -رضي الله عنهم-، لكن لا يجوز تأخيرها بعد صلاة العيد، فمن فعل ذلك فهي صدقة عادية لا تُجزئ عن زكاة الفطر.

حكمة زكاة الفطر

زكاة الفطر لها حِكم عظيمة، منها:

• تطهير الصائم من اللغو والرفث الذي قد يكون وقع فيه خلال رمضان.
• إدخال الفرح والسرور على قلوب الفقراء والمحتاجين يوم العيد، ليشعروا بفرحة العيد كما يشعر بها الأغنياء.
• تحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين، حيث يتمكن المحتاجون من توفير مستلزماتهم الأساسية.

آداب العيد وسننه

أيها الأحبة، يوم العيد يوم فرح وسرور، وهو يوم شكر لله على تمام نعمة الصيام والقيام، ومن السنة أن نستعد له بعدة آداب وسنن، منها:

1. التكبير في العيد

شرع الله التكبير في العيد، وهو سنة مؤكدة، يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان ويستمر حتى أداء صلاة العيد، قال الله تعالى: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]. وصيغة التكبير هي: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.

2. الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب

يستحب للمسلم في يوم العيد أن يغتسل ويتطيب ويلبس أجمل الثياب، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك، كما ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنه-.

3. تناول التمر قبل الخروج لصلاة العيد

من السنة أن يأكل المسلم بضع تمرات قبل خروجه لصلاة العيد، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج إلى صلاة العيد حتى يأكل تمرات وترًا (أي 1 أو 3 أو 5…)، وذلك لما رواه أنس -رضي الله عنه- قال: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترًا” [رواه البخاري].

4. أداء صلاة العيد

صلاة العيد سنة مؤكدة، يؤديها المسلمون في المصليات والساحات، ويُسن أن يخرج المسلمون إليها جميعًا، حتى النساء والأطفال، كما جاء في حديث أم عطية -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بإخراج النساء إلى المصلى يوم العيد.

5. التهنئة بالعيد

من آداب العيد التهنئة بين المسلمين، بقول: “تقبل الله منا ومنكم” أو “عيدكم مبارك”، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يهنئون بعضهم بعضًا يوم العيد.

6. صلة الأرحام وزيارة الأقارب

يستحب للمسلم في يوم العيد أن يصل رحمه، ويزور أهله وأقاربه وأصدقاءه، فيكون يومًا للمحبة والتآلف بين المسلمين.

7. إدخال السرور على الفقراء والمساكين

من أعظم أعمال يوم العيد إسعاد الفقراء والمحتاجين، سواء بالهدايا أو المساعدات، فالعيد ليس للمقتدرين فقط، بل هو فرحة لكل المسلمين.

خاتمة الخطبة

عباد الله، ها نحن على أبواب عيد الفطر، فأحسنوا فيما بقي من شهركم، وأكثروا من الاستغفار، وأخرجوا زكاة فطركم في وقتها المحدد، وتخلقوا بآداب العيد وسننه، وتواصلوا مع أقاربكم وأحبابكم، واعلموا أن العيد الحقيقي هو حين نلقى الله -سبحانه وتعالى- وقد رضي عنا.

نسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يجعل عيدنا هذا عيد فرح وسعادة وأمن وإيمان. اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، وتقبل منا زكاتنا، وأعد علينا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وعافية وطاعة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.

ختامًا: زكاة الفطر وآداب العيد ليست مجرد عبادات موسمية، بل هي قيم إسلامية عظيمة تعزز التكافل الاجتماعي، وتنشر روح المحبة والمودة بين المسلمين. فمن أدى زكاة الفطر كما أمر الله -سبحانه وتعالى-، وأحيا سنن العيد بفرح وسعادة، فقد فاز بأجر الصائمين القانتين، وأكمل عبادته على الوجه الأكمل.

نسأل الله -عز وجل- أن يعيد علينا العيد أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وإيمان وأمن وأمان.