يوم الخُليّف ! عادة مكية من مؤنسات الحرم يوم عرفة

في الوقت الذي يغادر فيه الحجاج مشعر منى إلى صعيد عرفات، تخلو مكة المكرمة من رجالها المنشغلين بخدمة ضيوف الرحمن، لتملأ نساؤها الحرم المكي بإيمانٍ خالص وتقاليد متوارثة. يوم التاسع من ذي الحجة في مكة ليس مجرد يوم عرفة، بل هو أيضاً يوم “الخُليّف”، أحد الطقوس الشعبية النسائية التي تُجسّد رابطًا روحانيًا متجذرًا بين نساء مكة وبيت الله الحرام.

ما هو يوم الخُليّف؟

يوم “الخُليّف” هو تقليد سنوي نسائي خاص بنساء مكة المكرمة، يُحيى في يوم عرفة من كل عام. ومع خلوّ المدينة من الحجاج، يتوافدن بكثافة إلى الحرم المكي ليملأن أرجاءه ذكرًا وعبادةً وطوافًا، ويقدمن وجبات الإفطار للصائمين ويحرصن على البقاء حتى صلاة العشاء.

أصل التسمية والروايات الشعبية

يُرجع بعض المؤرخين التسمية إلى مصطلح “الخُليّف” أي من تخلّف عن الحج، إذ أن المشاركات في هذا اليوم غالباً ما يكنَّ من النساء أو ممن لم يُكتب له الحج. وهناك من يرى أن المصطلح يشير إلى أن النساء يَخْلُفْنَ الرجال في الحرم، أي يَشْغَلْن مكانهم في العبادة حين يغادرون إلى عرفات.

نساء مكة.. مؤنسات الحرم

منذ ساعات الصباح الأولى، تتجه النساء في مجموعات صغيرة إلى الحرم المكي، مصطحبات معهن وجبات الإفطار والماء والتمر، يحرصن على الطواف والجلوس في ظل الكعبة حتى موعد المغرب، ثم يقدمن وجباتهن للصائمين. لا يخرجن من الحرم إلا بعد أداء صلاة العشاء جماعة، في مشهد روحاني مهيب يُظهر مدى ارتباط نساء مكة بالحرم.

التجربة الشخصية للفتاة ندى رضوى

من بين آلاف النساء اللاتي يواظبن على هذا التقليد، تروي ندى رضوى تجربتها التي بدأت منذ الصغر برفقة والدتها. تقول: “في كل عام، نُحضّر لهذا اليوم وكأنه عيد خاص، نلتقي كجارات وأخوات في الله، نخطط للإفطار والطواف والدعاء. يوم الخليف هو ذكرى ووصية من أمهاتنا، وإرث لا يُقدّر بثمن”.

الجانب الاجتماعي والعائلي ليوم الخليف

تحوّل هذا التقليد النسائي إلى طقس اجتماعي متكامل، حيث تتجمع العائلات مساءً لتبادل الإفطار والدعاء، وغالبًا ما يشهد هذا اليوم زيارات متبادلة بين البيوت، وتجتمع الأمهات والبنات على إعداد وجبات بسيطة لكنها تحمل الكثير من الحب والنية الطيبة.

دور نساء مكة في التاريخ المكي ليوم عرفة

لا تقتصر مشاركة النساء في هذا اليوم على العبادة فقط، بل كنَّ قديماً يقمن بأدوار متعددة أثناء غياب الرجال، كحماية البيوت، ومساعدة كبار السن، وتوزيع الطعام على الجيران. وتُسرد بعض الروايات الشعبية أن النساء كنَّ يُنشدن أهازيج توبيخية لأي رجل يُشاهد في الحرم في هذا اليوم ولم يذهب للحج، في إشارة إلى الطابع الشعبي لهذا الطقس.

يوم الخليف وتزامنه مع تبديل كسوة الكعبة

ارتبط يوم عرفة سابقًا بتبديل كسوة الكعبة، قبل أن يُغيّر الموعد إلى الأول من محرم كل عام. ومع ذلك، بقي يوم الخليف متألقًا بروحانيته، وأصبح من أهم الموروثات غير الرسمية التي تُمارَس بشغف في قلب مكة.

رسالة روحانية تتجاوز الأجيال

يوم الخليف ليس فقط تقليدًا نسائيًا، بل رسالة إيمانية متوارثة تؤكد على الدور الروحي للمرأة في مكة. هذا اليوم يمنحهن فرصة للتعبير عن حبهن للحرم، وسعيهن للثواب، ومشاركتهن في صناعة الذاكرة المكية.

خاتمة:

يوم الخليف هو انعكاس حقيقي لأصالة نساء مكة، وارتباطهن الوثيق بالحرم المكي. هو يوم تفيض فيه الروح بالمحبة والسكينة، وتتعانق فيه الأجيال عبر الطقوس والدعاء والطواف. وبينما الحجاج على صعيد عرفات، فإن مكة تنبض بروح نسائها، مؤنسات الحرم في واحد من أعظم أيام السنة.

روزينا محمد

محررة ثقافية تتمتع بمعرفة واسعة بالفنون والثقافة، لديها شغف بالمسرح والموسيقى والأدب والفنون البصرية، قادرة على كتابة مراجعات ونقد فني دقيق وهادف، لديها خبرة في تحرير محتوى ثقافي متنوع، يتابع أحدث المعارض والمهرجانات الفنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع موجز الأنباء

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع موجز الأنباء.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !